الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

اَلْفَصْلُ ٱلثَّانِي

‏‹سار مع الله›‏

‏‹سار مع الله›‏

١،‏ ٢ بِأَيِّ مَشْرُوعٍ ٱنْشَغَلَ نُوحٌ وَعَائِلَتُهُ،‏ وَمَا هِيَ بَعْضُ ٱلتَّحَدِّيَاتِ ٱلَّتِي وَاجَهُوهَا؟‏

تَوَقَّفَ نُوحٌ هُنَيْهَةً يَلْتَقِطُ أَنْفَاسَهُ مِنْ عَنَاءِ ٱلتَّعَبِ،‏ فَجَلَسَ مُنْتَصِبًا وَتَمَطَّطَ قَلِيلًا لِيُرِيحَ عَضَلَاتِهِ ٱلْمُنْهَكَةَ.‏ تَخَيَّلْهُ جَالِسًا عَلَى عَارِضَةٍ خَشَبِيَّةٍ يَتَأَمَّلُ هَيْكَلَ ٱلْفُلْكِ ٱلضَّخْمِ مِنْ فَوْقُ.‏ اَلْجَوُّ يَعْبَقُ بِرَائِحَةِ ٱلْقَارِ ٱلسَّاخِنِ ٱلْحَادَّةِ،‏ وَأَدَوَاتُ ٱلنِّجَارَةِ يَتَرَدَّدُ صَدَاهَا فِي أَرْجَاءِ ٱلْمَكَانِ.‏ مِنْ مَوْقِعِهِ ٱلْمُشْرِفِ،‏ يَرَى نُوحٌ بَنِيهِ مُنْكَبِّينَ عَلَى ٱلْعَمَلِ فِي مُخْتَلِفِ أَجْزَاءِ ٱلْهَيْكَلِ ٱلْخَشَبِيِّ ٱلْهَائِلِ.‏ لَقَدْ مَضَتْ عُقُودٌ وَهُوَ وَزَوْجَتُهُ ٱلْحَبِيبَةُ وَبَنُوهُ وَزَوْجَاتُهُمْ يَكُدُّونَ مَعًا فِي بِنَاءِ ٱلْفُلْكِ.‏ وَرَغْمَ أَنَّهُمْ قَطَعُوا شَوْطًا كَبِيرًا،‏ كَانَ أَمَامَهُمْ مِشْوَارٌ طَوِيلٌ بَعْدُ.‏

٢ اِعْتَبَرَهُمْ أَهْلُ ٱلْمِنْطَقَةِ عَائِلَةَ مَجَانِينَ.‏ وَكُلَّمَا ٱتَّضَحَتْ مَعَالِمُ ٱلْفُلْكِ زَادَ ضَحِكُهُمْ وَٱسْتِهْزَاؤُهُمْ بِفِكْرَةِ طُوفَانٍ يَغْمُرُ ٱلْأَرْضَ كُلَّهَا.‏ فَهٰذِهِ ٱلْكَارِثَةُ ٱلَّتِي مَا ٱنْفَكَّ نُوحٌ يُنْذِرُهُمْ بِحُدُوثِهَا بَدَتْ لَهُمْ بَعِيدَةَ ٱلِٱحْتِمَالِ جِدًّا،‏ بَلْ مُنَافِيَةً لِلْمَنْطِقِ!‏ فَأَيُّ رَجُلٍ عَاقِلٍ يُضَيِّعُ حَيَاتَهُ —‏ وَحَيَاةَ عَائِلَتِهِ أَيْضًا —‏ فِي مَشْرُوعٍ سَخِيفٍ كَهٰذَا؟‏!‏ لٰكِنَّ يَهْوَهَ،‏ إِلٰهَ نُوحٍ،‏ رَأَى فِيهِ إِنْسَانًا مُخْتَلِفًا.‏

٣ بِأَيِّ مَعْنًى سَارَ نُوحٌ مَعَ ٱللهِ؟‏

٣ يَذْكُرُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ:‏ «سَارَ نُوحٌ مَعَ ٱللهِ».‏ ‏(‏اقرإ التكوين ٦:‏٩‏.‏‏)‏ فَهَلْ عَنَى ذٰلِكَ أَنَّ ٱللهَ نَزَلَ وَسَارَ عَلَى ٱلْأَرْضِ،‏ أَوْ أَنَّ نُوحًا صَعِدَ بِطَرِيقَةٍ مَا إِلَى ٱلسَّمَاءِ؟‏ لَا هٰذَا وَلَا ذَاكَ.‏ لَقَدْ أَطَاعَ نُوحٌ كَلَامَ يَهْوَهَ بِحَذَافِيرِهِ وَأَحَبَّهُ مَحَبَّةً شَدِيدَةً بِحَيْثُ يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ إِنَّهُ سَارَ مَعَهُ مِثْلَمَا يَسِيرُ صَدِيقَانِ حَمِيمَانِ مَعًا.‏ وَبَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ سَنَةٍ،‏ قَالَ عَنْهُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ:‏ «بِٱلْإِيمَانِ نُوحٌ .‏ .‏ .‏ حَكَمَ عَلَى ٱلْعَالَمِ».‏ (‏عب ١١:‏٧‏)‏ فَمَا ٱلْمَقْصُودُ بِهٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ؟‏ وَمَاذَا نَتَعَلَّمُ نَحْنُ ٱلْيَوْمَ مِنْ إِيمَانِهِ؟‏

رَجُلٌ بِلَا لَوْمٍ فِي عَالَمٍ مُلْتَوٍ

٤،‏ ٥ كَيْفَ تَدَهْوَرَ ٱلْعَالَمُ مِنْ سَيِّئٍ إِلَى أَسْوَأَ فِي أَيَّامِ نُوحٍ؟‏

٤ تَرَعْرَعَ نُوحٌ فِي عَالَمٍ تَدَهْوَرَ مِنْ سَيِّئٍ إِلَى أَسْوَأَ.‏ لَقَدْ كَانَ ٱلْوَضْعُ رَدِيئًا فِي ٱلْأَسَاسِ أَيَّامَ جَدِّ أَبِيهِ أَخْنُوخَ،‏ وَهُوَ أَيْضًا رَجُلٌ بَارٌّ سَارَ مَعَ ٱللهِ وَتَنَبَّأَ بِيَوْمِ دَيْنُونَةٍ آتٍ عَلَى جَمِيعِ ٱلْكَافِرِينَ.‏ لٰكِنَّ ٱلشَّرَّ فِي أَيَّامِ نُوحٍ بَاتَ أَفْظَعَ بِكَثِيرٍ،‏ بِحَيْثُ فَسَدَتِ ٱلْأَرْضُ لِأَنَّهَا ٱمْتَلَأَتْ عُنْفًا.‏ (‏تك ٥:‏٢٢؛‏ ٦:‏١١؛‏ يه ١٤،‏ ١٥‏)‏ فَلِمَ وَصَلَتِ ٱلْأُمُورُ إِلَى هٰذَا ٱلْحَدِّ؟‏

٥ فِي ٱلْحَيِّزِ غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ،‏ تَوَالَتْ فُصُولُ مَأْسَاةٍ رَهِيبَةٍ بَيْنَ أَبْنَاءِ ٱللهِ ٱلرُّوحَانِيِّينَ،‏ أَيِ ٱلْمَلَائِكَةِ.‏ فَكَانَ أَحَدُهُمْ قَدْ تَمَرَّدَ عَلَى يَهْوَهَ،‏ فَٱفْتَرَى عَلَيْهِ وَأَوْقَعَ آدَمَ وَحَوَّاءَ فِي شَرَكِ ٱلْخَطِيَّةِ وَصَارَ بِٱلتَّالِي ٱلشَّيْطَانَ إِبْلِيسَ.‏ وَفِي أَيَّامِ نُوحٍ،‏ شَرَعَ مَلَائِكَةٌ آخَرُونَ يَتَمَرَّدُونَ عَلَى حُكْمِ يَهْوَهَ ٱلْعَادِلِ.‏ فَتَخَلَّوْا عَنْ مَرْكَزِهِمِ ٱلسَّمَاوِيِّ ٱلْمُعَيَّنِ لَهُمْ مِنَ ٱللهِ وَنَزَلُوا إِلَى ٱلْأَرْضِ مُتَجَسِّدِينَ وَٱتَّخَذُوا لِأَنْفُسِهِمْ زَوْجَاتٍ مِنْ بَنَاتِ ٱلنَّاسِ ٱلْجَمِيلَاتِ.‏ وَقَدْ بَثَّ هٰؤُلَاءِ ٱلْمَلَائِكَةُ ٱلْأَنَانِيُّونَ ٱلْمُتَمَرِّدُونَ ٱلَّذِينَ تَجَبَّرُوا عَلَى يَهْوَهَ رُوحًا سَامَّةً بَيْنَ ٱلْبَشَرِ.‏ —‏ تك ٦:‏​١،‏ ٢؛‏ يه ٦،‏ ٧‏.‏

٦ أَيُّ تَأْثِيرٍ أَحْدَثَهُ ٱلنَّفِيلِيمُ فِي ٱلْعَالَمِ،‏ وَمَاذَا عَزَمَ يَهْوَهُ عَلَى فِعْلِهِ؟‏

٦ أَضِفْ إِلَى ذٰلِكَ أَنَّ هٰذِهِ ٱلزِّيجَاتِ غَيْرَ ٱلطَّبِيعِيَّةِ بَيْنَ ٱلْمَلَائِكَةِ ٱلْمُتَجَسِّدِينَ وَنِسَاءِ ٱلْأَرْضِ أَثْمَرَتْ ذُرِّيَّةً هَجِينَةً مِنَ ٱلْعَمَالِقَةِ ٱلْجَبَابِرَةِ يَدْعُوهَا ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ ‏«ٱلنَّفِيلِيمَ»،‏ وَهُوَ ٱسْمٌ يَعْنِي حَرْفِيًّا «ٱلْمُسْقِطِينَ»،‏ أَيْ مَنْ يُسَبِّبُونَ سُقُوطَ غَيْرِهِمْ.‏ وَبِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا عُنَفَاءَ شَرِسِينَ يَسْتَقْوُونَ عَلَى ٱلْآخَرِينَ،‏ تَفَاقَمَتِ ٱلشُّرُورُ وَٱلْأَعْمَالُ ٱلْوَحْشِيَّةُ فِي ٱلْعَالَمِ.‏ لَا عَجَبَ إِذًا أَنَّ ٱلْخَالِقَ رَأَى أَنَّ «شَرَّ ٱلْإِنْسَانِ كَثِيرٌ فِي ٱلْأَرْضِ وَكُلَّ مَيْلِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ».‏ فَعَزَمَ عَلَى مَحْوِ ذٰلِكَ ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْأَثِيمِ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِ وَحَدَّدَ أَيَّامَهُ ٱلْبَاقِيَةَ بِـ‍ ١٢٠ سَنَةً.‏ —‏ اقرإ التكوين ٦:‏​٣-‏٥‏.‏

٧ أَيَّةُ صُعُوبَاتٍ وَاجَهَهَا نُوحٌ وَزَوْجَتُهُ فِي حِمَايَةِ أَبْنَائِهِمَا مِنَ ٱلْمُؤَثِّرَاتِ ٱلْفَاسِدَةِ حَوْلَهُمْ؟‏

٧ تَخَيَّلْ مَا أَصْعَبَ تَرْبِيَةَ عَائِلَةٍ فِي بِيئَةٍ كَهٰذِهِ!‏ لٰكِنَّ هٰذَا مَا قَامَ بِهِ نُوحٌ.‏ لَقَدِ ٱخْتَارَ زَوْجَةً صَالِحَةً أَنْجَبَتْ لَهُ،‏ بَعْدَمَا بَلَغَ عُمْرُهُ ٥٠٠ سَنَةٍ،‏ ثَلَاثَةَ بَنِينَ هُمْ سَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ.‏ * وَيَدًا بِيَدٍ تَعَاوَنَا عَلَى حِمَايَةِ أَبْنَائِهِمَا مِنَ ٱلْمُؤَثِّرَاتِ ٱلْفَاسِدَةِ حَوْلَهُمْ.‏ وَبِمَا أَنَّ ٱلصِّبْيَانَ بِطَبْعِهِمْ يُعَظِّمُونَ ٱلْأَبْطَالَ وَٱلْمَشَاهِيرَ وَيُعْجَبُونَ بِهِمْ،‏ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ٱلنَّفِيلِيمُ «ٱلْجَبَابِرَةُ .‏ .‏ .‏ ذَوُو ٱلشُّهْرَةِ» قَدْ تَمَتَّعُوا آنَذَاكَ بِشَعْبِيَّةٍ كَبِيرَةٍ بَيْنَ ٱلْأَوْلَادِ.‏ وَفِي حِينِ صَعُبَ عَلَى نُوحٍ وَزَوْجَتِهِ أَنْ يَحْجُبَا عَنْ صِغَارِهِمَا كُلَّ أَخْبَارِ هٰؤُلَاءِ ٱلْعَمَالِقَةِ وَمُغَامَرَاتِهِمْ،‏ كَانَا يَسْتَطِيعَانِ تَعْلِيمَهُمُ ٱلْحَقَائِقَ ٱلْجَذَّابَةَ عَنْ إِلٰهِهِمْ يَهْوَهَ ٱلَّذِي يَكْرَهُ كُلَّ شَرٍّ.‏ وَوَجَبَ عَلَيْهِمَا إِقْنَاعُهُمْ أَنَّ يَهْوَهَ حَزِينٌ لِرُؤْيَةِ ٱلْعُنْفِ وَٱلتَّمَرُّدِ يَتَفَشَّيَانِ بِٱلْأَرْضِ.‏ —‏ تك ٦:‏٦‏.‏

وَجَبَ عَلَى نُوحٍ وَزَوْجَتِهِ حِمَايَةُ أَبْنَائِهِمَا مِنَ ٱلْمُؤَثِّرَاتِ ٱلْفَاسِدَةِ حَوْلَهُمْ

٨ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْوَالِدِينَ ٱلْحُكَمَاءِ ٱلْيَوْمَ أَنْ يَحْذُوا حَذْوَ نُوحٍ وَزَوْجَتِهِ؟‏

٨ لَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ أَبٍ وَأُمٍّ فِي أَيَّامِنَا يَتَفَهَّمَانِ مَا مَرَّ بِهِ نُوحٌ وَزَوْجَتُهُ.‏ فَعَالَمُنَا أَيْضًا مَلْآنٌ عُنْفًا وَتَمَرُّدًا.‏ فَكَمْ نَسْمَعُ عَنْ مُدُنٍ تُهَيْمِنُ عَلَيْهَا عِصَابَاتٌ مِنَ ٱلْمُرَاهِقِينَ ٱلْجَانِحِينَ!‏ حَتَّى ٱلتَّسْلِيَةُ ٱلْمُخَصَّصَةُ لِلْأَوْلَادِ مُشْبَعَةٌ بِهٰذِهِ ٱلرُّوحِ ٱلسَّامَّةِ ٱلَّتِي تَنَالُ إِعْجَابَ كَثِيرِينَ.‏ لٰكِنَّ ٱلْوَالِدِينَ ٱلْحُكَمَاءَ يَبْذُلُونَ كُلَّ مَا فِي وِسْعِهِمْ لِلتَّصَدِّي لِهٰذِهِ ٱلتَّأْثِيرَاتِ،‏ فَيُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُمْ عَنْ إِلٰهِ ٱلسَّلَامِ يَهْوَهَ ٱلَّذِي سَيَضَعُ حَدًّا عَمَّا قَرِيبٍ لِكَافَّةِ أَشْكَالِ ٱلْعُنْفِ.‏ (‏مز ١١:‏٥؛‏ ٣٧:‏​١٠،‏ ١١‏)‏ وَٱلنَّجَاحُ لَيْسَ مُسْتَحِيلًا!‏ فَقَدْ أَثْمَرَتْ جُهُودُ نُوحٍ وَزَوْجَتِهِ،‏ فَأَوْلَادُهُمَا أَمْسَوْا رِجَالًا صَالِحِينَ وَتَزَوَّجُوا نِسَاءً مُسْتَعِدَّاتٍ مِثْلَهُمْ أَنْ يَضَعْنَ يَهْوَهَ ٱللهَ أَوَّلًا فِي حَيَاتِهِنَّ.‏

‏«اِصْنَعْ لَكَ فُلْكًا»‏

٩،‏ ١٠ ‏(‏أ)‏ مَا هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلْإِلٰهِيَّةُ ٱلَّتِي غَيَّرَتْ حَيَاةَ نُوحٍ؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا كَشَفَ يَهْوَهُ لِنُوحٍ عَنْ تَصْمِيمِ ٱلْفُلْكِ وَٱلْقَصْدِ مِنْهُ؟‏

٩ جَاءَ يَوْمٌ تَغَيَّرَتْ فِيهِ حَيَاةُ نُوحٍ جَذْرِيًّا وَبِصُورَةٍ نِهَائِيَّةٍ.‏ فَقَدْ كَلَّمَ يَهْوَهُ خَادِمَهُ ٱلْمَحْبُوبَ وَأَطْلَعَهُ عَلَى قَصْدِهِ أَنْ يُهْلِكَ ذٰلِكَ ٱلْعَالَمَ.‏ وَأَوْصَاهُ قَائِلًا:‏ «اِصْنَعْ لَكَ فُلْكًا مِنْ خَشَبٍ قَطْرَانِيٍّ».‏ —‏ تك ٦:‏١٤‏.‏

١٠ لَمْ يَكُنِ ٱلْفُلْكُ سَفِينَةً كَمَا يَعْتَقِدُ ٱلْبَعْضُ.‏ فَلَا مُقَدَّمَ لَهُ وَلَا مُؤَخَّرَ وَلَا دَفَّةَ وَلَا مَجَاذِيفَ،‏ وَجَوَانِبُهُ مُسْتَقِيمَةٌ لَيْسَ فِيهَا ٱنْعِطَافٌ.‏ إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ ٱلْمَبْدَأُ صُنْدُوقٌ ضَخْمٌ.‏ وَقَدْ حَدَّدَ يَهْوَهُ بِدِقَّةٍ قِيَاسَاتِهِ وَأَعْطَى نُوحًا تَفَاصِيلَ عَنْ تَصْمِيمِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَطْلِيَهُ مِنَ ٱلدَّاخِلِ وَٱلْخَارِجِ بِٱلْقَارِ.‏ وَعَنْ سَبَبِ بِنَائِهِ قَالَ يَهْوَهُ:‏ «هَا أَنَا آتٍ بِطُوفَانِ ٱلْمِيَاهِ عَلَى ٱلْأَرْضِ .‏ .‏ .‏ كُلُّ مَا فِي ٱلْأَرْضِ يَمُوتُ».‏ لٰكِنَّهُ أَقَامَ مَعَ نُوحٍ هٰذَا ٱلْعَهْدَ،‏ أَوِ ٱلِٱتِّفَاقَ ٱلرَّسْمِيَّ،‏ قَائِلًا:‏ «تَدْخُلُ ٱلْفُلْكَ أَنْتَ وَبَنُوكَ وَزَوْجَتُكَ وَزَوْجَاتُ بَنِيكَ مَعَكَ».‏ وَأَوْعَزَ إِلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يُدْخِلَ مَعَهُ عَيِّنَةً مِنْ كُلِّ أَجْنَاسِ ٱلْحَيَوَانَاتِ.‏ فَمَا كَانَ سَيَنْجُو مِنَ ٱلطُّوفَانِ ٱلْآتِي إِلَّا ٱلَّذِينَ فِي ٱلْفُلْكِ!‏ —‏ تك ٦:‏​١٧-‏٢٠‏.‏

عَمِلَ نُوحٌ وَأَفْرَادُ عَائِلَتِهِ يَدًا بِيَدٍ لِإِتْمَامِ وَصِيَّةِ ٱللهِ

١١،‏ ١٢ أَيُّ مُهِمَّةٍ جَبَّارَةٍ أُوكِلَتْ إِلَى نُوحٍ،‏ وَمَاذَا كَانَتْ رَدَّةُ فِعْلِهِ حِيَالَهَا؟‏

١١ أُوكِلَتْ إِلَى نُوحٍ مُهِمَّةٌ جَبَّارَةٌ.‏ فَٱلْفُلْكُ فِي غَايَةِ ٱلضَّخَامَةِ:‏ طُولُهُ ١٣٣ م وَعَرْضُهُ ٢٢ م وَٱرْتِفَاعُهُ ١٣ م،‏ عَلَى وَجْهِ ٱلتَّقْرِيبِ.‏ وَلَا تُضَاهِيهِ حَجْمًا أَكْبَرُ ٱلسُّفُنِ ٱلْخَشَبِيَّةِ ٱلَّتِي شَقَّتْ عُبَابَ ٱلْبَحْرِ،‏ حَتَّى ٱلَّتِي بُنِيَتْ فِي ٱلْعُصُورِ ٱلْحَدِيثَةِ.‏ فَهَلْ تَهَرَّبَ نُوحٌ مِنْ هٰذَا ٱلتَّعْيِينِ؟‏ هَلْ تَذَمَّرَ مِنْ صُعُوبَتِهِ،‏ أَوْ عَدَّلَ ٱلتَّفَاصِيلَ لِيُهَوِّنَ عَلَى نَفْسِهِ؟‏ يُجِيبُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ:‏ «فَعَلَ نُوحٌ بِحَسَبِ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ ٱللهُ.‏ هٰكَذَا فَعَلَ».‏ —‏ تك ٦:‏٢٢‏.‏

١٢ اِسْتَغْرَقَ بِنَاءُ ٱلْفُلْكِ فَتْرَةً طَوِيلَةً تَرَاوَحَتْ رُبَّمَا بَيْنَ ٤٠ وَ ٥٠ سَنَةً.‏ وَٱسْتَلْزَمَ ٱلْعَمَلُ قَصَّ ٱلْأَشْجَارِ وَنَقْلَ ٱلْجُذُوعِ،‏ ثُمَّ تَقْطِيعَهَا إِلَى رَوَافِدَ وَعَوَارِضَ بِٱلشَّكْلِ ٱلْمَطْلُوبِ وَتَرْكِيبَهَا مَعًا.‏ وَقَدْ تَأَلَّفَ ٱلْفُلْكُ مِنْ ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ وَكَانَ فِيهِ حُجُرَاتٌ وَبَابٌ فِي جَانِبِهِ.‏ وَيَظْهَرُ أَنَّ لَهُ نَوَافِذَ فِي ٱلْأَعْلَى عَلَى دَائِرِهِ،‏ وَسَقْفًا مُحَدَّبًا قَلِيلًا عِنْدَ ٱلْوَسَطِ بِٱنْحِدَارٍ بَسِيطٍ مِنَ ٱلْجِهَتَيْنِ لِتَصْرِيفِ ٱلْمِيَاهِ.‏ —‏ تك ٦:‏​١٤-‏١٦‏.‏

١٣ أَيُّ وَجْهٍ آخَرَ لِمُهِمَّةِ نُوحٍ كَانَ رُبَّمَا أَكْثَرَ صُعُوبَةً مِنْ بِنَاءِ ٱلْفُلْكِ،‏ وَمَاذَا كَانَتْ رَدَّةُ فِعْلِ ٱلنَّاسِ؟‏

١٣ مَعَ مُرُورِ ٱلسِّنِينَ وَٱتِّضَاحِ مَعَالِمِ ٱلْفُلْكِ،‏ لَا بُدَّ أَنَّ نُوحًا فَرِحَ جِدًّا بِنَيْلِ دَعْمِ وَمُؤَازَرَةِ عَائِلَتِهِ.‏ فَمُهِمَّتُهُ شَمَلَتْ وَجْهًا آخَرَ رُبَّمَا كَانَ أَكْثَرَ صُعُوبَةً مِنْ بِنَاءِ ٱلْفُلْكِ نَفْسِهِ.‏ فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يُخْبِرُنَا أَنَّ نُوحًا كَانَ ‹كَارِزًا بِٱلْبِرِّ›.‏ ‏(‏اقرأ ٢ بطرس ٢:‏٥‏.‏‏)‏ فَبِشَجَاعَةٍ وَجُرْأَةٍ تَوَلَّى ٱلْقِيَادَةَ فِي تَحْذِيرِ ذٰلِكَ ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلشِّرِّيرِ ٱلْكَافِرِ مِنَ ٱلْهَلَاكِ ٱلْآتِي.‏ وَكَيْفَ كَانَ رَدُّ فِعْلِهِمْ؟‏ ذَكَرَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ لَاحِقًا أَنَّ ٱلنَّاسَ آنَذَاكَ «لَمْ يَكْتَرِثُوا»،‏ بَلْ كَانُوا مُنْشَغِلِينَ جِدًّا بِشُؤُونِ ٱلْحَيَاةِ ٱلْيَوْمِيَّةِ —‏ بِٱلْأَكْلِ وَٱلشُّرْبِ وَٱلزَّوَاجِ —‏ لِدَرَجَةِ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَأْبَهْ لِنُوحٍ.‏ (‏مت ٢٤:‏​٣٧-‏٣٩‏)‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ كَثِيرِينَ مِنْهُمْ هَزِئُوا بِهِ وَبِعَائِلَتِهِ،‏ وَرُبَّمَا تَعَرَّضَ لَهُ ٱلْبَعْضُ بِٱلتَّهْدِيدِ وَٱلْمُقَاوَمَةِ ٱلْعَنِيفَةِ،‏ وَلَعَلَّهُمْ أَيْضًا حَاوَلُوا تَخْرِيبَ ٱلْفُلْكِ.‏

تَجَاهَلَ ٱلنَّاسُ رِسَالَةَ نُوحٍ وَٱسْتَهْزَأُوا بِهِ رَغْمَ كُلِّ ٱلْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ يَهْوَهَ يُبَارِكُهُ

١٤ مَاذَا يُمْكِنُ لِلْعَائِلَاتِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ ٱلْيَوْمَ أَنْ تَتَعَلَّمَ مِنْ نُوحٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ؟‏

١٤ غَيْرَ أَنَّ نُوحًا وَأَفْرَادَ عَائِلَتِهِ لَمْ يَسْتَسْلِمُوا قَطُّ.‏ فَرَغْمَ أَنَّهُمْ عَاشُوا وَسْطَ عَالَمٍ ٱعْتَبَرَ مَسْعَاهُمُ ٱلْأَوَّلَ فِي ٱلْحَيَاةِ ضَلَالَةً تَافِهَةً وَغَبِيَّةً،‏ وَاظَبُوا عَلَى إِنْجَازِهِ بِكُلِّ أَمَانَةٍ.‏ وَفِي إِيمَانِهِمْ دُرُوسٌ قَيِّمَةٌ لِلْعَائِلَاتِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ ٱلْيَوْمَ.‏ فَنَحْنُ نَعِيشُ فِي أَزْمِنَةٍ يَدْعُوهَا ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ «ٱلْأَيَّامَ ٱلْأَخِيرَةَ» لِنِظَامِ ٱلْأَشْيَاءِ هٰذَا.‏ (‏٢ تي ٣:‏١‏)‏ وَيَسُوعُ قَالَ إِنَّ أَيَّامَنَا سَتُشْبِهُ ٱلْفَتْرَةَ ٱلَّتِي بَنَى خِلَالَهَا نُوحٌ ٱلْفُلْكَ.‏ لِذَا يَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَتَذَكَّرَ نُوحًا كُلَّمَا وَاجَهْنَا ٱللَّامُبَالَاةَ أَوِ ٱلِٱسْتِهْزَاءَ أَوِ ٱلِٱضْطِهَادَ فِي كِرَازَتِنَا بِرِسَالَةِ مَلَكُوتِ ٱللهِ.‏ فَنَحْنُ لَسْنَا أَوَّلَ مَنْ يَمُرُّ بِهٰذِهِ ٱلتَّحَدِّيَاتِ.‏

‏«اُدْخُلْ ‏.‏ .‏ .‏ إِلَى ٱلْفُلْكِ»‏

١٥ مَنْ خَسِرَ نُوحٌ وَهُوَ يُنَاهِزُ ٱلـ‍ ٦٠٠ مِنْ عُمْرِهِ؟‏

١٥ مَرَّتْ عُقُودٌ وَٱتَّخَذَ ٱلْفُلْكُ تَدْرِيجِيًّا شَكْلَهُ ٱلنِّهَائِيَّ.‏ وَفِيمَا نَاهَزَ نُوحٌ ٱلـ‍ ٦٠٠ مِنْ عُمْرِهِ،‏ خَسِرَ شَخْصَيْنِ عَزِيزَيْنِ عَلَى قَلْبِهِ:‏ أَبَاهُ لَامِكَ،‏ * وَبَعْدَ خَمْسِ سَنَوَاتٍ جَدَّهُ مَتُوشَالَحَ أَبَا لَامِكَ ٱلَّذِي مَاتَ عَنْ ٩٦٩ سَنَةً،‏ وَهُوَ أَطْوَلُ عُمْرٍ عَاشَهُ إِنْسَانٌ فِي سِجِلِّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.‏ (‏تك ٥:‏٢٧‏)‏ وَقَدْ عَاصَرَ مَتُوشَالَحُ وَلَامِكُ كِلَاهُمَا ٱلْإِنْسَانَ ٱلْأَوَّلَ آدَمَ.‏

١٦،‏ ١٧ ‏(‏أ)‏ أَيَّةُ تَعْلِيمَاتٍ جَدِيدَةٍ تَلَقَّاهَا نُوحٌ فِي سَنَتِهِ ٱلـ‍ ٦٠٠؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ يُوصَفُ ٱلْمَنْظَرُ ٱلرَّائِعُ ٱلَّذِي شَهِدَهُ نُوحٌ وَعَائِلَتُهُ؟‏

١٦ فِي سَنَةِ نُوحٍ ٱلـ‍ ٦٠٠،‏ تَلَقَّى هٰذَا ٱلْأَبُ ٱلْجَلِيلُ تَعْلِيمَاتٍ جَدِيدَةً مِنْ يَهْوَهَ ٱللهِ تَقُولُ:‏ «اُدْخُلْ أَنْتَ وَجَمِيعُ بَيْتِكَ إِلَى ٱلْفُلْكِ».‏ وَأَمَرَهُ أَيْضًا أَنْ يُدْخِلَ إِلَى ٱلْفُلْكِ حَيَوَانَاتٍ مِنْ جَمِيعِ ٱلْأَجْنَاسِ:‏ سَبْعَةً مِنْ كُلِّ بَهِيمَةٍ طَاهِرَةٍ تَصْلُحُ ذَبِيحَةً،‏ وَٱثْنَيْنِ مِنَ ٱلْأَجْنَاسِ ٱلْأُخْرَى.‏ —‏ تك ٧:‏​١-‏٣‏.‏

١٧ كَانَ حَتْمًا مَشْهَدًا لَا يُنْسَى حِينَ تَوَافَدَ إِلَى ذٰلِكَ ٱلصُّنْدُوقِ ٱلضَّخْمِ تَنَوُّعٌ مُذْهِلٌ مِنْ آلَافِ ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلْأَلِيفَةِ وَٱلْوَحْشِيَّةِ بِمُخْتَلِفِ ٱلْأَشْكَالِ وَٱلْأَحْجَامِ:‏ بَعْضُهَا يَمْشِي وَبَعْضُهَا يَطِيرُ،‏ وَٱلْبَعْضُ ٱلْآخَرُ يَزْحَفُ أَوْ يَدِبُّ أَوْ يَتَهَادَى.‏ وَلٰكِنْ لَا دَاعِيَ أَنْ نَتَخَيَّلَ نُوحًا يَتَحَايَلُ عَلَى هٰذِهِ ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلْبَرِّيَّةِ أَوْ يَتَعَارَكُ مَعَهَا أَوْ يُطَارِدُهَا لِيُجْبِرَهَا عَلَى ٱلدُّخُولِ إِلَى ٱلْفُلْكِ.‏ فَٱلرِّوَايَةُ تَقُولُ إِنَّهَا ‏‹دَخَلَتْ ‏.‏ .‏ .‏ إِلَى نُوحٍ إِلَى ٱلْفُلْكِ›.‏ —‏ تك ٧:‏٩‏.‏

١٨،‏ ١٩ ‏(‏أ)‏ كَيْفَ يُمْكِنُ ٱلرَّدُّ عَلَى ٱلشُّكُوكِ ٱلَّتِي يُثِيرُهَا ٱلْبَعْضُ حَوْلَ ٱلْأَحْدَاثِ فِي رِوَايَةِ نُوحٍ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ تَتَجَلَّى حِكْمَةُ يَهْوَهَ فِي ٱلطَّرِيقَةِ ٱلَّتِي ٱخْتَارَهَا لِإِنْقَاذِ خَلِيقَتِهِ ٱلْحَيَوَانِيَّةِ؟‏

١٨ وَلٰكِنْ قَدْ يَسْأَلُ بَعْضُ ٱلْمُشَكِّكِينَ:‏ ‹كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ ذٰلِكَ؟‏ أَيُعْقَلُ أَنْ تَتَعَايَشَ جَمِيعُ هٰذِهِ ٱلْحَيَوَانَاتِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ ضِمْنَ أَرْبَعَةِ حِيطَانٍ؟‏›.‏ تَأَمَّلْ فِي هٰذِهِ ٱلْأَفْكَارِ:‏ هَلْ يَصْعُبُ حَقًّا عَلَى خَالِقِ ٱلْكَوْنِ بِأَسْرِهِ ٱلتَّحَكُّمُ بِخَلِيقَتِهِ ٱلْحَيَوَانِيَّةِ وَتَرْوِيضُهَا إِذَا ٱقْتَضَى ٱلْأَمْرُ؟‏ هَلْ يَسْتَحِيلُ عَلَى يَهْوَهَ ٱللهِ ٱلَّذِي شَقَّ لَاحِقًا ٱلْبَحْرَ ٱلْأَحْمَرَ وَأَوْقَفَ ٱلشَّمْسَ فِي مَكَانِهَا أَنْ يُجْرِيَ كُلَّ ٱلْحَوَادِثِ ٱلْمَذْكُورَةِ فِي رِوَايَةِ نُوحٍ؟‏ قَطْعًا لَا،‏ فَهُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ،‏ وَقَدْ أَتَمَّ فِعْلًا كُلَّ تَفْصِيلٍ وَرَدَ فِي ٱلرِّوَايَةِ!‏

١٩ طَبْعًا،‏ كَانَ فِي وِسْعِ ٱللهِ إِنْقَاذُ ٱلْحَيَوَانَاتِ بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى.‏ لٰكِنَّهُ ٱخْتَارَ بِحِكْمَةٍ طَرِيقَةً تُذَكِّرُنَا بِٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلَّتِي ٱئْتَمَنَ ٱلْبَشَرَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلْبَدْءِ،‏ وَهِيَ ٱلِٱعْتِنَاءُ بِجَمِيعِ ٱلْكَائِنَاتِ ٱلْحَيَّةِ عَلَى ٱلْأَرْضِ.‏ (‏تك ١:‏٢٨‏)‏ لِذَا يَسْتَخْدِمُ ٱلْوَالِدُونَ ٱلْيَوْمَ قِصَّةَ نُوحٍ لِيُعَلِّمُوا أَوْلَادَهُمْ أَنَّ يَهْوَهَ يَهْتَمُّ بِخَلَائِقِهِ سَوَاءٌ كَانُوا بَشَرًا أَوْ حَيَوَانَاتٍ.‏

٢٠ بِمَ رُبَّمَا ٱنْشَغَلَ نُوحٌ وَعَائِلَتُهُ خِلَالَ ٱلْأُسْبُوعِ ٱلْأَخِيرِ قَبْلَ ٱلطُّوفَانِ؟‏

٢٠ أَخْبَرَ يَهْوَهُ نُوحًا أَنَّ ٱلطُّوفَانَ آتٍ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ.‏ تَخَيَّلِ ٱللَّحَظَاتِ ٱلْمَحْمُومَةِ ٱلَّتِي عَاشَتْهَا ٱلْعَائِلَةُ آنَذَاكَ.‏ فَعَلَيْهِمْ نَقْلُ أَغْرَاضِهِمْ إِلَى ٱلْفُلْكِ وَتَنْظِيمُ كُلِّ ٱلْحَيَوَانَاتِ فِي مَوَاضِعِهَا وَتَوْضِيبُ طَعَامٍ لَهَا وَلِلْعَائِلَةِ.‏ وَلَرُبَّمَا ٱنْصَبَّ ٱهْتِمَامُ ٱلنِّسَاءِ ٱلْأَرْبَعِ —‏ زَوْجَةِ نُوحٍ وَزَوْجَاتِ سَامٍ وَحَامٍ وَيَافَثَ —‏ عَلَى تَأْمِينِ مَسْكِنٍ مُرِيحٍ فِي ٱلْفُلْكِ.‏

٢١،‏ ٢٢ ‏(‏أ)‏ لِمَ لَا نَتَفَاجَأُ بِلَامُبَالَاةِ ٱلنَّاسِ فِي أَيَّامِ نُوحٍ؟‏ (‏ب)‏ مَتَى كَفَّ ٱلْمُسْتَهْزِئُونَ بِنُوحٍ وَعَائِلَتِهِ عَنِ ٱسْتِهْزَائِهِمْ؟‏

٢١ وَمَاذَا عَنِ ٱلنَّاسِ مِنْ حَوْلِ نُوحٍ وَعَائِلَتِهِ؟‏ ظَلُّوا عَلَى مَوْقِفِهِمْ وَ «لَمْ يَكْتَرِثُوا» رَغْمَ كُلِّ ٱلْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ يَهْوَهَ يُبَارِكُ نُوحًا وَمَسَاعِيَهُ.‏ فَٱلْحَيَوَانَاتُ كَانَتْ تَتَوَافَدُ إِلَى ٱلْفُلْكِ أَمَامَ عُيُونِهِمْ.‏ لٰكِنَّ لَامُبَالَاتَهُمْ هٰذِهِ لَا تُفَاجِئُنَا.‏ فَٱلْيَوْمَ أَيْضًا لَا يَكْتَرِثُ ٱلنَّاسُ لِلْأَدِلَّةِ ٱلدَّامِغَةِ عَلَى أَنَّنَا نَعِيشُ فِي ٱلْأَيَّامِ ٱلْأَخِيرَةِ لِنِظَامِ ٱلْأَشْيَاءِ ٱلْعَالَمِيِّ هٰذَا.‏ وَكَمَا تَنَبَّأَ ٱلرَّسُولُ بُطْرُسُ،‏ ثَمَّةَ أُنَاسٌ يَسْتَهْزِئُونَ ٱسْتِهْزَاءً وَيَسْخَرُونَ بِٱلَّذِينَ يُصْغُونَ إِلَى تَحْذِيرِ ٱللهِ.‏ ‏(‏اقرأ ٢ بطرس ٣:‏​٣-‏٦‏.‏‏)‏ وَلَا بُدَّ أَنَّ نُوحًا وَعَائِلَتَهُ تَعَرَّضُوا لِمِثْلِ هٰذَا ٱلِٱسْتِهْزَاءِ.‏

٢٢ وَمَتَى صَمَتَ ٱلْمُسْتَهْزِئُونَ؟‏ تُخْبِرُنَا ٱلرِّوَايَةُ أَنَّهُ مَا إِنْ أَدْخَلَ نُوحٌ عَائِلَتَهُ وَٱلْحَيَوَانَاتِ إِلَى ٱلْفُلْكِ حَتَّى «أَغْلَقَ يَهْوَهُ ٱلْبَابَ عَلَيْهِ».‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ هٰذَا ٱلْإِجْرَاءَ ٱلْإِلٰهِيَّ أَسْكَتَ كُلَّ مُسْتَهْزِئٍ شَهِدَ مَا حَصَلَ.‏ وَفِي حَالِ لَمْ تَكُفَّ أَلْسِنَتُهُمْ عَنِ ٱلْكَلَامِ،‏ فَإِنَّ هُطُولَ ٱلْمَطَرِ أَسْكَتَهُمْ لَا مَحَالَةَ!‏ فَقَدِ ٱنْفَتَحَتْ كُوَى ٱلسَّمٰوَاتِ وَظَلَّتْ تُمْطِرُ وَتُمْطِرُ حَتَّى غَمَرَتِ ٱلْمِيَاهُ ٱلْأَرْضَ بِكَامِلِهَا،‏ تَمَامًا كَمَا قَالَ يَهْوَهُ.‏ —‏ تك ٧:‏​١٦-‏٢١‏.‏

٢٣ ‏(‏أ)‏ كَيْفَ نَعْرِفُ أَنَّ يَهْوَهَ لَمْ يُسَرَّ بِمَوْتِ ٱلْأَشْرَارِ أَيَّامَ نُوحٍ؟‏ (‏ب)‏ لِمَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ ٱلِٱقْتِدَاءُ بِإِيمَانِ نُوحٍ ٱلْيَوْمَ؟‏

٢٣ وَهَلْ سُرَّ يَهْوَهُ بِمَوْتِ هٰؤُلَاءِ ٱلْأَشْرَارِ؟‏ قَطْعًا لَا!‏ (‏حز ٣٣:‏١١‏)‏ فَقَدْ سَبَقَ وَأَعْطَاهُمْ فُرْصَةً كَافِيَةً وَوَافِيَةً لِيَرْجِعُوا عَنْ طُرُقِهِمْ وَيَفْعَلُوا ٱلصَّوَابَ.‏ وَهَلْ كَانَ ذٰلِكَ مُمْكِنًا؟‏ إِنَّ مَسْلَكَ حَيَاةِ نُوحٍ أَعْطَى ٱلْجَوَابَ.‏ فَبِٱلسَّيْرِ مَعَ إِلٰهِهِ يَهْوَهَ وَإِطَاعَتِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَرْهَنَ أَنَّ ٱلْخَلَاصَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِيلًا.‏ وَهٰكَذَا حَكَمَ بِإِيمَانِهِ عَلَى ٱلْعَالَمِ فِي زَمَنِهِ مُظْهِرًا أَنَّ ٱلْأَشْرَارَ كَانَ فِي وِسْعِهِمِ ٱلنَّجَاةُ مِنَ ٱلطُّوفَانِ لَوْ أَبْدَوُا ٱسْتِعْدَادًا لِتَغْيِيرِ نَمَطِ حَيَاتِهِمْ.‏ لَقَدْ حَفِظَ ٱلْإِيمَانُ حَيَاةَ نُوحٍ وَعَائِلَتِهِ.‏ وَإِذَا ٱقْتَدَيْتَ بِإِيمَانِهِ،‏ تَكُونُ أَنْتَ وَأَحِبَّاؤُكَ أَكْبَرَ ٱلرَّابِحِينَ.‏ فَعَلَى غِرَارِ نُوحٍ،‏ يُمْكِنُكَ أَنْ تَسِيرَ مَعَ يَهْوَهَ ٱللهِ كَمَا يَسِيرُ صَدِيقَانِ حَمِيمَانِ مَعًا.‏ وَهٰذِهِ ٱلصَّدَاقَةُ تَدُومُ إِلَى ٱلْأَبَدِ!‏

^ ‎الفقرة 7‏ عَاشَ ٱلنَّاسُ فِي تِلْكَ ٱلْأَزْمِنَةِ ٱلْبَاكِرَةِ أَكْثَرَ بِكَثِيرٍ مِمَّا نَعْيشُ نَحْنُ،‏ وَٱلسَّبَبُ كَمَا يَبْدُو هُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَقْرَبَ مِنَّا إِلَى ٱلْكَمَالِ وَٱلْحَيَوِيَّةِ ٱللَّذَيْنِ خَسِرَهُمَا آدَمُ وَحَوَّاءُ.‏

^ ‎الفقرة 15‏ أَطْلَقَ لَامِكُ عَلَى ٱبْنِهِ ٱسْمَ نُوحٍ،‏ ٱلَّذِي يَعْنِي عَلَى ٱلْأَرْجَحِ «رَاحَةً» أَوْ «تَعْزِيَةً»،‏ وَتَنَبَّأَ بِأَنَّهُ سَيُتَمِّمُ مَعْنَى ٱسْمِهِ عِنْدَمَا يُسْهِمُ فِي إِرَاحَةِ ٱلْبَشَرِ مِنْ مَشَقَّةِ أَيْدِيهِمْ بِسَبَبِ ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي لَعَنَهَا يَهْوَهُ.‏ (‏تك ٥:‏​٢٨،‏ ٢٩‏)‏ لٰكِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى إِتْمَامَ هٰذِهِ ٱلنُّبُوَّةِ.‏ أَمَّا وَالِدَةُ نُوحٍ وَإِخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ هَلَكُوا فِي ٱلطُّوفَانِ.‏